لا أحد في الدنيا يعلم متى ستنتهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فالاحتمالات كلها مطروحة بما فيها استمرار الحرب لفترة ليست قصيرة، الأمر الذي يستدعي منا المباشرة بالانتقال الى إعلان حالة طوارئ اقتصادية مدعومة بخطط واستراتيجيات تحد من الآثار السلبية التي ستنعكس على اقتصادنا الوطني واستغلال الفرص من جراء هذه الحرب.
الرهان على فرضيات واحتمالات قرب انتهاء الحرب أو التصعيد ما بين الطرفين وانتظار ما ستؤول إليه، فيه نوع من المغامرة التي لربما ستكلف اقتصادنا مزيداً من الأعباء والتحديات وخاصة أننا نشهد اشتعالاً للأسعار وبكافة الأصناف الغذائية والنفطية والمواد الأولية وغيرها من متطلبات السوق والاقتصاد الوطني، مدعومة بارتفاع الطلب عليها وصعوبة عمليات الشحن البحري وارتفاع أسعاره، ما يستوجب علينا الانتقال الى وضع مختلف السيناريوهات المرتبطة بعمليات التوريد والتأكد من توافر مخزونات آمنة وبشكل مبكر من مختلف الأصناف الغذائية والمواد الأولية والنفطية وليس فقط ما يستورد من روسيا وأوكرانيا.
ما يحدث في روسيا وأوكرانيا أثره كبير على مختلف الاقتصاديات في العالم بما فيها الدول العظمى والمنتجة، ما يعني أن هناك ارتفاعا في الطلب على مختلف الأصناف الرئيسية والأساسية وسيزيد، وخاصة في ضوء التوقعات المحتملة لأسعار النفط والمتوقع أن تصل الى 180 دولارا في حال توقف الاستيراد من النفط الروسي وفرض حظر عليه، الأمر الذي يجعل من الحكومة تستعجل التعاقد على كميات اضافية من هذه المادة الحساسة وضمن الأسعار الحالية التي لربما لن تكون متوافرة خلال الأسابيع المقبلة للحد من الخسائر الكبيرة والتأثيرات المباشرة على الموازنة العامة التي وضعت فرضياتها على أساس استقرار أسعار النفط عند منحنيات محددة.
صندوق النقد الدولي يحذر من أن العواقب الاقتصادية للأزمة الأوكرانية بالغة الخطورة، وسط مستقبل ضبابي وحالة من عدم اليقين السياسي والعسكري بعد حدوث طفرة في أسعار الطاقة والسلع الأولية، بما في ذلك القمح وغيره من الحبوب، الأمر الذي يجعل من الحكومة والقطاع الخاص يأخذان الموضوع على محمل الجد والبدء فورا بوضع الخطط التي تساعدنا على مواجهة التداعيات الناجمة والتي قد تؤثر على مختلف المناحي وخاصة نسب التضخم والنمو، وعلى المؤشرات والتوقعات التي بنت عليها موازنتها خلال العام الحالي الامر الذي قد يعطل اولويات عملنا وخططنا الاقتصادية الأخرى والتي نسعى اليها جميعاً.
لكل أزمة تحدياتها غير أن هناك العديد من الفرص التي يجب استغلالها اليوم من قبل الحكومة من خلال جعل أسواقنا في السلع المنتجة بديلاً للسلع التي كانت تستورد من قبل دول الجوار من روسيا واوكرانيا، وخاصة قطاعنا الزراعي النباتي والحيواني وغيرها من السلع، فأولى اولوياتنا الآن مواجهة هذه الأزمة وتأجيل كل ما قد يشغلنا عنها فيكون حينها تنفيذ خططنا الاقتصادية التي نعمل عليها الأن أمرا مستحيلا في المستقبل.
في النهاية، لا نستطيع مجابهة هذا التحدي الكبير دون أي تنظيم أو خطط ترسم وتضع على الطاولة وبإجراءات تنفيذية فورية لا تحتمل التأجيل أو الدراسات من قبل الحكومة والقطاع الخاص والخبراء، تساعدنا على مواجهة التحديات وترتيب الأولويات من جديد واستغلال الفرص التي قد تتيحها هذه الأزمة وعكسها على واقع المستقبل الانتاجي والاكتفاء الذاتي للمملكة.